انتفاضة الاقصى مخاض ما قبل الولادة

من طرف **المدير** السبت نوفمبر 29, 2008 4:22 am

انتفاضة الأقصى

بسم الله الرحمن الرحيم

دخلت انتفاضة الأقصى عامها الثامن، وحققت المعجزة التي لم يتوقعها أحد وهى أن تستمر رغم كل عوامل الضغط التي اجتمعت عليها لوقفها تحت أي مسمى.

استمرت انتفاضة الأقصى ولم تكتف بالاستمرار انتصاراً؛ بل حققت انتصاراتها على أرض الواقع، وامتدت آثارها الإيجابية من محيطها الفلسطيني إلى أمتها العربية والإسلامية، فأحيت لديهم خيار الجهاد، وكشفت عن أعداء الأمة الحقيقيين ومخططاتهم. وثبت صحة خيار المقاومة أن "المفاوضات لا تحرر أرضاً ولا تقيم دولة، وإنما المقاومة والجهاد فقط هما السبيل الوحيد لنيل الحق المسلوب".

قد يرى البعض في عدد الشهداء الكبير في الصف الفلسطيني علامة على المعاناة التي جلبتها الانتفاضة للشعب الفلسطيني، ولكن العكس ما حدث، فقد ازداد تمسك الشعب الفلسطيني بالمقاومة أو كما يقول بعض الصهاينة": إن حماس كانت تحتاج في الانتفاضة الأولى إلى مراحل ووقت كبير لكي تجند فلسطينياً لينفذ عملية استشهادية، بينما الآن إذا دعا أحدهم لتنفيذ عملية استشهادية لا ستجاب له العشرات ".

تأييد شعبي:

أسباب عدة جعلت الفلسطينيين يختارون المقاومة سبيلاً، منها ما ارتبط بفشل سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية (1994-2000) على المستوى الأمني والاقتصادي وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، ومنها ما ارتبط بممارسات الاحتلال الذي استغل أوسلو لصالحه أحسن استغلال، فازداد عدد المستوطنين بنسبة كبيرة (مليون مهاجر روسي من عام 1991-2000) وتوسعت رقعة المستوطنات الصهيونية، وفرض الاحتلال الصهيوني مزيد من الأمر الواقع في القدس وغيرها.

هذه المقاومة التي حققت حداً أدنى من الرضاء الشعبي الفلسطيني الذي أصبح يثأر لشهدائه؛ بل أصبح الشعب الفلسطيني يستأخر رد المقاومة، وكأنه يضعها في ميزان قوة واحد مع الاحتلال، وتحولت مواكب شهداء انتفاضة الأقصى إلى ما يشبه "حفل العرس " كما أضحت كل عملية استشهادية فرحاً جديداً يضاف إلى الأفراح الفلسطينية.

لقد أصبح الفلسطينيون يعيشون حياة طبيعية، أو يتعايشون مع الواقع رغم كل آلامه من حصار وإغلاق وعمليات اغتيال واقتحام متتالية في ظل دعم دولي للاحتلال الصهيوني تتزعمه الولايات المتحدة شيطان هذا العصر الأكبر وصمت عربي أقرب إلى الخذلان والاستكانة والاستجابة لكل ما يتم إملاؤه على الأنظمة.

انكسار صهيوني:

بينما على الجانب الآخر يعيش الصهاينة في قلق رغم كل الدعم الذي يلاقونه، لقد تحولت حياة المغتصب "المستعمر" الصهيوني سواء في المغتصبات "المستوطنات" أو داخل الخط الأخضر إلى جحيم، فمنذ بداية انتفاضة الأقصى في 29 سبتمبر 2000 وحتى الآن لا يعيش صهيوني حياة طبيعية، لقد ازدادت نسبة البطالة والأمراض النفسية والخوف من كل شيء تحسباً أن يكون خلفه استشهادي، لقد أصبحت الحياة شبه مستحيلة؛ فالمراكز التجارية ووسائل المواصلات وحتى المستوطنات المحصنة بأكثر من جدار أمني (أسلاك شائكة أسوار كهربائية جدران سميكة 00إلخ) أصبحت كلها هدفاً سهلاً للمقاومة، حتى الجيش الصهيوني الذي يعتبر صمام أمن الاحتلال تسرب إليه الخوف؛ فصواريخ القسام والبنا أصبحت تصل إلى كل موقع، فلم تعد هناك قاعدة للاحتلال أو دبابة حتى لو كانت الميركافا يتحصن بها الجندي الصهيوني وسيلة مناسبة لحماية هؤلاء، بل وصل الأمر إلى الذراع الطويلة ذاتها، لقد شهدت انتفاضة الأقصى سقوط أول طائرة من طراز (إف 16) وكذا تذمر 27 طياراً صهيونياً ورفضهم الطيران فوق الضفة وغزة رغم الأهمية القصوى للطيارين في العسكرية الصهيونية، إضافة إلى أن الطيران يعد أكثر وسائل الاحتلال أماناً وأكثرها فعالية في ظل عدم امتلاك المقاومة الفلسطينية لأسلحة فعالة مضادة للطائرات.

قد يستطيع رئيس الوزراء الصهيوني (شارون) تعويض 10 مليارات دولار هي خسائر الكيان الصهيوني من انتفاضة الأقصى بوسائل الدعم المالي المختلفة من الخارج وآخرها الضمان الأمريكي لإقراض الكيان الصهيوني 9 مليار دولار؛ ولكنه لن يستطيع أن يعوض الصهاينة عن حالة الرعب التي عاشوها و يعيشونها وسيعيشونها إذا استمرت الانتفاضة، خاصة وأن الأمن هو القيمة العليا لدى الصهاينة: حكومة، ومستعمرين. لقد استطاع الفلسطينيون أن يحققوا المعجزة الأمنية بالانتقال من نظرية (توازن الرعب) التي كانت من أهم إنجازات انتفاضة الأقصى إلى الاقتراب من تحقيق نظرية "توازن الردع " بإنتاجهم لصواريخ القسام والبنا، واستخدام الهاون والتهديد باستهداف مباني الصهاينة، وكلها في إطار المعطيات الجغرافية للكيان الصهيوني تمثل تهديداً مباشراً لأمنه.

مكاسب محققة:

لقد حققت انتفاضة الأقصى في ثلاث سنوات ما لم تحققه دول في صراعها مع الصهاينة خلال سنوات، فإن كانت المقاومة الفلسطينية لم تحرر أرضاً بالمعنى الجغرافي حتى الآن، ولم تتحول الانتفاضة إلى حرب تحرير مسلحة حسبما استهدفت فصائل المقاومة الإسلامية منذ بدايتها إلا أن سبب ذلك يعود إلى رغبة تلك الفصائل إلى عدم الصدام الداخلي (المقاومة ضد سلطة الحكم الذاتي)؛ إلا أنها انتقلت من مرحلة المقاومة السلمية إلى الانتفاضة المسلحة، ولم يحسب عليها حتى الآن أية سلبيات، لدرجة أن التقرير الإستراتيجي العربي الصادر عن مؤسسة الأهرام المصرية وهو شبه رسمي جعل المقاومة الفلسطينية "أفضل نموذج للمقاومة" أو "المقاومة النظيفة التي لم تتلوث يدها بدم شعبها واستطاعت الفصائل المختلفة أن تتعاون وتتعايش ولا يحتكر أي منها الحقيقة".

لقد نجحت المقاومة في أن تجعل خسائر استمرار الاحتلال أكبر من مكاسبه ليس في فلسطين 67 وحدها؛ بل امتد أثرها إلى فلسطين 48 لتجعل الهجرة العكسية من الكيان الصهيوني والهروب من المستوطنات واقعاً جديداً، وأفشلت أكبر مخطط صهيوني لاستقبال مليون مهاجر خلال خمس سنوات (2000-2005) طبقاً للمخطط الصهيوني الذي أعلنه شارون عند الاحتفال بقدوم المهاجر رقم مليون من الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية خلال عشر سنوات أعلن أنه سيستقبل نفس العدد خلال خمس سنوات قادمة، وهو ما لم يتحقق بفضل انتفاضة الأقصى، لقد أصبح عدد الشهداء الفلسطينيين إلى القتلى الصهاينة 1: 3 على أقصى تقدير (2700 شهيد فلسطيني مقابل 840 قتيل صهيوني على اقل تقدير) وهو رقم لم تصل إليه أي حركة مقاومة في العالم من قبل، خاصة إذا علمنا قيمة الحياة لدى اليهود مقابل فضل الاستشهاد لدى المسلمين الذين وإن كنا نحزن على فراقهم واستشهادهم في حملات العدوان الصهيوني إلا أن البعد العقدي لدى المسلمين يخفف من ذلك الحزن، وتمحوه قدرة المقاومة على الثأر وإجبار الصهاينة على الندم على كل عملية غادرة يرتكبونها بحق شعب أعزل.

إن الناظر إلى عدد الشهداء الفلسطينيين خلال ثلاثة أعوام كاملة في ظل اختلال في التوازن العسكري وحصار مفروض من الداخل والخارج على المقاومة؛ ليَجد أن رقم الثلاثة آلاف شهيد فلسطيني ليس كبيراً بل يمكن أن يموت أو يستشهد مثل هذا العدد في حادث مدني واحد! لقد استشهد في حادثة القطار المصري العام الماضي أكثر من 3500 مواطن حسب الإحصاء الرسمي الحكومي الذي يؤكد البعض أنه أقل من الواقع بكثير، واستشهد في حوادث طبيعية أخرى زلازل وبراكين وغيرها الآلاف- في دول مثل باكستان وإيران وبنجلاديش.

إن محاسبة الانتفاضة ليس فيما حققته من إنجازات، فليس خطأٌ الفلسطينيين أنهم اختاروا المقاومة سبيلاً لنيل الحقوق، وهو ما يكفله لهم القانون الدولي ويوجبه الشرع عليهم، ولكن المحاسبة تكون لمن أعاق الانتفاضة والمقاومة وحاول أن يفرض عليها الهزيمة في حرب غير متكافئة بالمرة، ومنع عنها كل أشكال الدعم الإنساني وحتى الإعلامي، واستجاب لكل ما يمليه أعوان الاحتلال عليهم من أجل ضمان استمراره، فقبل أن يطالب البعض المقاومة المحاصرة بتحقيق انتصارات هي حققتها بالفعل لكل ذي بصيرة ؛ فعليه أن يحاسب الآخرين ماذا قدموا هم للانتفاضة التي حققت لهم أمناً لم يحققوه لأنفسهم؟ فإن كانت الانتفاضة الأولى منعت الكيان الصهيوني من التمدد خارجياً لأول مرة منذ زرعه في المنطقة؛ فإن انتفاضة الأقصى أذاقت الصهاينة هزيمة لم يذوقوها منذ حرب العاشر من رمضان، ورعباً لم يعايشوه منذ وجد الكيان، حيث أصبح التهديد يصل إلى مخادع الصهاينة، وأصبح الصهاينة لأول مرة يديرون حرباً مسرحها الأرض التي يعيشون فيها أو قريباً منها، بينما كانت كل حروبهم السابقة على أرض الآخرين.